شرقاوي يكمل شهادته
كنت طيلة الوقت سواء وقت ضربي في الشارع أو في القسم معتقدا بأن أمامي إما الترحيل إلى لاظوغلي أو ضربي وتركي في الشارع. على أي حال دخلت على رئيس النيابة الساعة 11،15 مساءا.. كنت منهكا لدرجة كبيرة ومتعب كما لم أشعر من قبل. وجدته خلف مكتبه يجلس ومعه كاتبه ينعمان بهواء بارد يأتي عبر مكيف الهواء.
دخلت عليه وأنا متحفز بعض الشيء وغاضبا في الوقت ذاته من جراء كل ما حدث لي من الركل والضرب والسب سواء في الشارع أو ما حدث بعده في القسم ويضاف له تعذيب نفسي وانتهاكات جسدية حاولت الاشارة لها في رسالة ضمنتها شهادتي عما حدث.
بادرني بالسؤال بعد أن نظر إلي طويلا نظرة توحي بالاندهاش – وحقيقة لم أكن أعلم لماذا هو متجهم هكذا في وجهي "محمد.. مين عامل فيك كدة؟؟ اقعد اقعد" قال ذلك وشاور بيده لكي أجلس وبيده الأخرى رفع تليفونه المحمول وتحدث إلى شخص ما قائلا "أيوة يا سعادة الباشا.. هو موجود قدامي" وبعد لحظات من الصمت قال لمحدثه "أيوة يا باشا بس ده متبهدل خالص ومش هينفع.. أيوة يا باشا صدقني هو قدامي أهوه" وبعد لحظات صمت أخرى.. "أوامر سعادتك يا باشا".
بعدها أغلق الخط ونظر الي وسأل ماذا حدث يا محمد.. رويت له ما حدث في عجالة أنني أثناء ركوبي سيارة احدى زميلاتي فوجئت بأشخاص يرتدون ملابس مدنية يحاولون توقيف السيارة ومحاصرتها وتوقفت بالفعل في اشارة تقاطع عبد الخالق ثروت مع طلعت حرب وحاولوا فتح باب السيارة المجاور لي.. فكرت سريعا ثم فتحت الباب ونزلت – لم يتركوني أنزل بل حملوني من على الأرض – حتى لا يقومون بتكسير السيارة.. قاموا بجري حتى مدخل عمارة ثم وجهوا لكمات وركلات إلى وجهي وصدري مما أصابني بنزيف من أنفي وفمي.. دفع هذا أحد ضباط الشرطة لمحاولة الدفاع عني ومنعهم من ضربي.. أخذوني في سيارة شرطة ميكروباص زرقاء وأخذوني الى قسم شرطة قصر النيل وهناك مارسوا ضدي تعذيب من النوع الاحترافي حيث مورس ضدي ضربات فنية ومزيج من تعذيب نفسي وانتهاك جسدي.
سألني بعدها عمن قاموا بالاعتداء علي وأحدثوا بي ما يراه فقلت أنني متأكد من شيء واحد وهو أنهم من جهاز أمن الدولة ومعهم ضباط قسم قصر النيل والمخبرين، أنهم ممن أراهم في الجهة المقابلة لنا عندما نقرر تظاهرة مثلا أو وقفة احتجاجية أمام احدى النقابتين الصحفيين أو المحامين.
نظر لي مطولا وفي عينيه سكنت نظرات تعبر عن أشياء كثيرة ثم قال "طيب يا محمد عاوز نكمل تحقيق ولا تخش الحمام وتغسل وشك؟" سألته في اقتضاب "هو فين المحامين؟" ثم زدت بقولي "أنا مش هاحضر إلا لو فيه محامين تبعي"..
سكت وهو ينظر لي بدفء - شعرت به – ثم وجه كلامه الى كاتبه "هات السادة المحامين وخليه يغسل وشه واعمله مية بسكر كتير".
"محمد" هكذا ناداني "روح بقى بره خش الحمام واشرب حاجة وارتاح شوية وتعالى".. صراحة لم أخرج وأنا مرفوع الرأس ولكن من شدة تعبي سرت وأنا أسحب قدمي الى الحمام وفوجئت بوجود أكثر من 6 أشخاص يتحدثون في تليفوناتهم المحمولة.. كانوا ينظرون لي بشكل لم يخيفني بقدر ما جعلني أشعر بمرارة من كوني مثلهم أحمل نفس جنسيتهم "المصرية".. تيقنت بأنهم يتبعون جهاز أمن السيد الرئيس "أمن الدولة سابقا".. على أي حال دخلت الى الحمام وكنت أشعر لحظتها بحاجة إلى التبول ولكن في الحمام لم ينزل مني سوى قطرات حمراء اللون.. تذكرت ما فعلوه وتدليكهم الخصية اليسرى وما تبع ذلك.
أستدرت فوجدت أمامي مرآه.. نظرت ولم أجد الا شخص يشبهني كثيرا ولكن بملامح مشوهة.. تورم شديد بالعينين وان كانت اليسرى أفضل حالا فقد حازت فقط على ثلاث أو أربع لكمات.
خرجت خارج دورة المياة وجاء أحد السعاة يحمل كوبا من الماء بالسكر ويقوم بتقليبه بشدة.. شربتها بصعوبة على مرتين أو ثلاث فبرغم عطشي الشديد إلا أنني كنت أشعر بألم شديد سواء أثناء محاولة فتح فمي أو من رفض معدتي لأي شيء خصوصا بعد الضرب واللكمات.
ناداني كاتب النيابة "ياللا يا محمد المحامين جوه".. زادت لهفتي "محامين تبعي ولا أنت اللي بعتلهم؟" قال وهو يبتسم "لأ محامين تبعك.. أستاذ جمال عبد العزيز وسيد..".
قاطعته "جمال عيد؟" قال "أيوة".. فجأة أحسست بنشاط غريب أهلني أن أخطو خطوات سريعة إلى الداخل لأجد جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الانسان، والأستاذ سيد فتحي. زاد اطمئناني وثقتي بنفسي وخطواتي وجلست بمقعد أقرب لرئيس النيابة منه لجمال ومقابل لكاتب النيابة.
كنت أنظر إلى جمال الذي أعتقد أنه لا يمكنني وصف شعوره حال رؤيتي وهو الأقدر على ذلك.. بعدها بلحظات بدأ التحقيق باثبات حضوري مع المحامين وأنني أرتدي كذا، وبي من الاصابات كذا وكذا بتفصيل الاصابات التي لحقت بي. بعدها قال الأستاذ سيد فتحي بأن هناك 4 محامين آخرين ويرجوا أن يسمح لهم رئيس النيابة بالصعود الى مكتبه حيث أنه يقوم لواء شرطة جاء لتأمين المبنى بمنعهم وقال للمحامين "محامي واحد فقط لكل متهم ومش عاوز وقفة هنا يا إما هاحسبه تجمهر".
دارت بعد نقل أستاذ سيد هذه الكلمات مناقشة عصبية بين رئيس النيابة الذي وضح تناقض فظيع يسكنه – من وجهة نظري – حيث يبدي قدرا من التعاطف إلا أنه متأثر كذلك بتعليمات وتوجيهات آتية له من فوق – كما نقول – ومن جهة المحامين الذين صمموا على رأيهم على صعود اثنين من المحامين وهذا ما حدث. أتت راجية عمران ومعها أحمد راغب وانضموا الى جمال وسيد فتحي.
بدأ التحقيق مرة أخرى وفي كل سؤال لا يتعلق بالاصابات ومن قاموا بضربي واحتجازي بقسم قصر النيل أرد الرد المعتاد بعد النظر الى الأستاذ سيد "أرفض التحقيق أمام نيابة أمن الدولة وأطلب ندب قاضي تحقيق".
استمر رئيس النيابة في القاء الأسئلة وتوجيه الاتهامات لي ثم يكتب نفس اجابتي دون أن ينتظر الاجابة المعتادة مني. إلى أن قاطعه جمال عيد وطلب أن يسمح لـ4 محامين آخرين أن يأتوا الى المكتب للحضور مع كريم الشاعر بعد منع اللواء دخولهم مرة أخرى.
هنا طلبت الخروج للراحة قليلا وقال رئيس النيابة ما يفيد بأنه قد انتهى تقريبا من توجيه الأسئلة لي وأنني سأخرج بعد لحظات. بالفعل أنهى التحقيق بعدها بأربع دقائق وطلب جمال عيد عرضي على الطب الشرعي أو مستشفى خاص لعلاجي فرفض. قالت راجية بأن هناك دكتورة زميلة وهي د. منى مينا موجودة أمام مبني النيابة وتطلب الصعود للكشف علي وتقديم الاسعافات الأولية فرفض رئيس النيابة ذلك أيضا.
خرجنا خارج المكتب وطلبت أول شيء من راجية وجمال أن أتحدث في التليفون. كان كل ما يشغلني في هذه الأثناء الاتصال بسلمى ونورا. كنت أود فقط سماع أصواتهم بعد أن تحدثت الى اختي واعتذرت لها عن عدم ذهابي لها كما كنا متفقين. صوت سلمى ودموعها أثرا في وحاولت أن أجعلها تتماسك قليلا وكنت أراهن على بنت قوية تسكنها. نورا أيضا كنت أنتظر كلماتها الهادئة جدا.
ما حدث بعد ذلك يشبه كثيرا ما حدث عندما طلبت الانتظار حتى ينتهي كريم الشاعر من تحقيقه أمام النيابة فيصدررئيس النيابة أوامره ببقائي لعشر دقائق ولكن ما ان يغلق الباب حتى يأتيني نقيب شرطة ورائد أمن مركزي "عمليات خاصة" ليطلبوا مني النزول بناءا على أوامر لواء أمن دولة أو لواء شرطة أيا كان. حقيقة من كان يخوض المعركة بدلا مني هو جمال وراجية أيضا.
نزلت في النهاية بعد أن صعد 4 محامين غير من حضروا معي للحضور مع كريم الشاعر. حوالي الساعة الواحدة صباحا خرجنا الى عربة الترحيلات لنذهب الى مكان لا نعرفه وعلمنا فيما بعد أنه سجن طرة تحقيق – محكوم. آخر ما سمعته هو تصفيق والدة سلمى وسلمى وولاء – وحشتني كثيرا – ومن كان معهم.
في الطريق الى السجن لم أكن أفكر في شيء غير احتمالات نقلي الى سجن آخر غير طرة تحقيق.
آخر من رأيته قبل دخول عربة الترحيلات عبر بوابة السجن كان وجه الجميلتين منال ونورا.
آخر ما سمعته كان صوت منال "خلي بالك من نفسك، هنجيلك يوم السبت زيارة".
محمد الشرقاوي - سجن طرة تحقيقزنزانة 8 – 1 أموال عامة
30 مايو 2006